الثلاثاء، 14 أبريل 2009

وزارة الخدمة المدنية .. وجامعة الصناعة
علي الشدي
علي الشدي
alshiddi@taic.com
أستعير هنا عبارة أوردتها جريدة الجزيرة في مقدمة ندوة مميزة أجرتها حول صندوق التنمية الصناعي وتحديات العودة إلى الكادر الوظيفي الحكومي، تقول العبارة المنسوبة إلى أحد منظري الاستراتيجية الكبار "إن المنعطف يمثل نهاية الطريق لأولئك الذين لا يحسنون الانعطاف".
ولقد تبارى المشاركون في الندوة وهم من الصناعيين الكبار في بيان أهمية الصندوق ونجاحه في أن يكون أحد النماذج المشرفة بسبب استقطابه للكفاءات السعودية ومنحها التدريب والتأهيل والحوافز التي تدرس وزارة الخدمة المدنية حاليا إلغاءها وإعادتها.. كما ورد في الندوة "إلى بيت الطاعة الوظيفي" وهنا لا بد للوزارة من الانعطاف فالمرحلة تتطلب الحرص على إيجاد كوادر مميزة في بعض الأجهزة التي تتعامل مع قطاعات متجددة في ظل منافسة شديدة لاستقطاب الكفاءات .. وإن لم يتم ذلك فإن هجرة المميزين من الأعمال الحكومية إلى القطاع الخاص ستزداد عما هي الآن وسيظل في خدمة الدولة من لم يجد عملا في مكان آخر .. وهذا عكس توجه القيادة التي تريد أن يكون الجهاز الحكومي فاعلا وقادرا على التعامل مع المرحلة التي تشهد تحولات كبيرة بما في ذلك تنفيذ المشروعات الكبرى التي يعلن عنها بين الحين والآخر.
لا اعتراض مني على تدوير الخبرات بين الدولة والقطاع الخاص لكن استقرار الأجهزة الحكومية وبالذات تلك المتعاملة مع قطاعات حيوية وديناميكية مثل الصناعة، المصارف، الاستثمار، السياحة، والاتصالات أمر مهم. ولكي تستقطب مؤسسة النقد أو الصندوق الصناعي أو هيئة الاتصالات أو هيئة السياحة أو هيئة الاستثمار الكفاءات المناسبة للتعامل مع موظفي البنوك أو المصانع أو القطاعات الأخرى المذكورة، لا بد من أن يكون لها كادر يختلف عن كادر الموظفين الذين تسند إليهم الأعمال الروتينية الإدارية العادية في القطاعات الأخرى، بصرف النظر عن نظريات المساواة أو ترشيد الإنفاق التي لا مكان لها على أرض الواقع المعاصر .. ولكي نثبت أهمية مثل هذا التميز لا نحتاج لأكثر من استعراض تجربة صندوق التنمية الصناعي كمثال ناجح اعتمدت على دراساته البنوك التي لا تعتمد في العادة إلا على تقييم موظفيها .. ودخلت البنوك في إقراض المشروعات الصناعية بقوة، كما أن موظفي الصندوق عملة نادرة يتسابق عليها أصحاب الأعمال وتسند إليهم الوظائف المهمة فيشرفون بأدائهم المميز وانضباطهم ومهنيتهم العالية.
وأخيرا: يا وزارة الخدمة المدنية .. إن كان الهدف هو المساواة فإن الخبرة النادرة والدوام الطويل تبرر فرق المرتب لموظفي الجهات التي ذكرت .. وإن كان الهدف هو الترشيد فإن إيقاف 700 هاتف في بعض الدوائر الحكومية قد وفر حوالي 250 مليون ريال .. ومتابعة مثل هذا الهدر في المصروفات أجدى من التوجه للمميزين من موظفي الدولة لتخفيض مرتباتهم ومميزاتهم التي لولاها لما صمد هؤلاء في وجه إغراءات القطاع الخاص وسط سوق عمل تشهد طفرة كبيرة ومنافسة شديدة ليس على الموظفين العاديين .. وإنما على المميزين فقط.
والخلاصة، أن صندوق التنمية الصناعي يعتبر بحق جامعة للصناعة خرجت العديد من المديرين والمهنيين والماليين الذين يديرون بكفاءة العديد من المؤسسات الصناعية والمالية، وما زالت بلادنا تحتاج إلى المزيد منهم. والمؤمل من وزارة الخدمة المدنية أن تأخذ ذلك في الحسبان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق